تواصل معنا
المعارض والفعاليات

إعادة بناء الذكريات والحنين إلى الماضي

بقلم فارفارا كيدان شافروفا

Varvara Shavrova, 'Inna's Dream', Installation, Contemporary Art, Plane, Carpet, first Soviet amphibious aeroplane SH-2
الحنين الحديث هو الحداد على استحالة العودة الأسطورية، لفقدان عالم مسحور بحدود وقيم واضحة؛ يمكن أن يكون تعبيرًا علمانيًا عن شوق روحاني، وحنين إلى شيء أساسي، وبيت مادي وروحاني، وزمان ومكان جنة عدن قبل الدخول في التاريخ. -سفيتلانا بويم
في أعمالها المؤثرة “مستقبل الحنين”، حددت الكاتبة ومؤرخة الفن سفيتلانا بويم نوعين مميزين من الحنين: التصالحي والتأملي. يتعلق الحنين التصالحي بالشعور بالخسارة والشوق، والرغبة في العودة إلى الماضي أو استعادة الماضي إلى الحاضر، بغض النظر عما قد تجلبه هذه العودة إلى الماضي. أما الحنين التأملي فيسمح بقبول ماضي الفرد، أو الماضي الذي يعود إلى عدد من الأجيال، كما هو، ويشجع على المشاركة النشطة في هذا الماضي، بغض النظر عن مدى صعوبة التجربة.
منحني التفكير في إمكانية المشاركة النشطة في ماضي الأسرة حافزًا للتعمق في تاريخ عائلتي والتفاعل مع قصص من الأرشيف، ليس كمراقب أو كاتب توثيق أو باحث، ولكن كمشارك نشط، حيث أحاول من خلال ممارستي إعادة فحص و تقييم الماضي من خلال عملية صناعة الفن.

إن تأملات سفيتلانا بويم حول الحنين إلى الماضي كشكل نشط من التفاعل مع الحاضر عبر الماضي جعلتني أفكر في طبيعة العملية الإبداعية التي تتوقف على جودتها المتناقضة في التأرجح بين الواقع والخيال والتاريخ والحاضر، والتي تسمح للمبدع بأن يكون منغمسًا تمامًا في مدى عملية هذا الارتباط، بالمعنى الفلسفي لعالم الآثار الذي يصبح أثناء التنقيب في موقع صخري، وللحظات، ذلك الرجل – أو المرأة – الذي بنى هذا النصب التذكاري – على اعتبار أن الطريق الوحيد إلى عالم الماضي هو من خلال واقع الحاضر.

يبدو لي أنني، ومن خلال عملية الانخراط هذه مع الماضي، حاولت أن أنقذ من النسيان كل تلك الشخصيات من الدراما العائلية[...]

Varvara Shavrova, 'Inna's Dream', Installation, Contemporary Art, Plane, Carpet, first Soviet amphibious aeroplane SH-2 Archive
Archive: Amphibious aeroplane under construction in Vadim Shavrov's apartment. Petrograd, Russia. 1930s, Courtesy of Varvara Keidan Shavova

Top image: Varvara Keidan Shavrova, 'Inna's Dream', Hand tufted carpet objects, emulsion and acrylic paint, Courtesy of the artist
Archive: Amphibious aeroplane. Photo courtesy of Museum of Arctic and the Antarctic, St-Petersburg, Russia.

ظهرت المحادثة المستمرة مع الماضي ضمن ممارساتي، من خلال سلسلة أو مجموعات من الأعمال حاولت بدورها تحليل وفهم وفك تشفير تراث عائلتي وتاريخها بإعادة هذه القصص إلى الحياة من خلال تجربة صناعة الفن . يبدو لي أنني، ومن خلال عملية الانخراط هذه مع الماضي، حاولت أن أنقذ من النسيان كل تلك الشخصيات من الدراما العائلية التي كان من الممكن نسيانها لولا ذلك، وغرقها في كوارث تاريخ روسيا المؤلم والدامي في القرن العشرين: الثورة البلشفية، الحرب الأهلية، الحرب العالمية الأولى والثانية، سنوات الإرهاب الستاليني، التي أعقبتها سنوات من الركود والانهيار والتبدد خلال الحقبة السوفيتية.

إن العمليات المشابهة لاكتشاف الآثار تضمنت كشف النقاب عن طبقات من أرشيفات العائلة وألبومات الصور الفوتوغرافية والرسائل والقصص التي تم نقلها من الجدة إلى الأم ثم إلى الابنه، والتي بدت وكأنها نهج مناسب لعملية صناعة الفن، والتي بدورها، وبشكل طبيعي، تنجذب نحو وسائط المنسوجات والألياف والمواد القائمة على الخيوط، وحيث تتضمن المفردات المستخدمة لوصف العملية الإبداعية عدد من المصطلحات المرتبطة بكل من رواية القصص والخياطة والحياكة والنسيج والتقطيع. على سبيل المثال، برزت مصطلحات غزل القصة، وخيوط السرد، وحبك فصول القصة، وأصبحت بارزة بشكل خاص في تطوير مجموعتين حديثتين من العمل، Mapping Fates” 2016-2017″ و
Inna’s Dream” 2018-2019″.
يركز “Mapping Fates” على قصة جدتي الكبرى، فارفارا تامشيفا (ني تشيردليلي)، وهي عضوة في طبقة النبلاء الجورجية تزوجت من رجل أعمال أرميني وسافرت إلى باريس والبندقية لقضاء شهر العسل في عام 1910.

باستخدام المصدر الوحيد الباقي الذي يوثق هذه الرحلة – بطاقتان بريديتان أرسلتهما فارفارا من إيطاليا إلى شقيقها ديميتري في جورجيا. حاولت أن أتخيل وأتأمل مشاعرها وعواطفها كشابة جورجية متزوجة حديثا، تسافر لأول مرة خارج منزلها في الإمبراطورية الروسية، وتتعرض لتاريخ الماضي الرائع لإيطاليا وفرنسا، وتنغمس أيضًا في خضم الحياة الساحرة لقارة أوروبا في أوائل القرن العشرين.

خلال عملي على تطوير المشروع، اتصل بي أحد القائمين على المعارض من برلين و سألني عما إذا كنت أرغب بإحضار “Mapping Fates” إلى مهرجان الفنون المعاصرة “Facts and Fiction” في سانت بطرسبرغ. خلقت معارض المهرجان تقاربات غير عادية ومقلقة في كثير من الأحيان بين الفنانين الحاليين وأعمالهم، والمتاحف التقليدية في بتروغرادسكايا هي جزء من مدينة سانت بطرسبرغ.

كان اختيار المتحف الذي دُعيت للمشاركة فيه هو متحف شقق فلاديمير لينين. إن تقديم مشروع عن عائلتي، والتي دمرت ثورة 1918 حياتهم، بدا وكأنه تحدٍ كبير ولكنه أيضًا فرصة مثيرة وغير عادية.

إن تقديم سلسلة من قطع الجاكار المنسوجة التي تم تركيبها مباشرة في التصميمات الداخلية لمتحف لينين، والتي اختلطت مع المفروشات الشخصية والملابس وحتى حمام زعيم الثورة البلشفية، بدا وكأنه فرصة كبيرة للظهور. رافق التركيبات أعمال صوتية ومرئية، تضمنت قصيدة كتبها الشاعر الأيرلندي فينسينت وودز خصيصًا للمشروع. تصف محاكمات ومحن فارفارا وعائلتها، وترجمتها إلى اللغة الروسية، وترمز كلمات القصيدة إلى الأوقات المضطربة في روسيا خلال 1917-1918 وعندما أقامت عائلة لينين أيضًا في الشقة.

غالبًا ما شعرت أثناء تركيب هذا العمل، وكأنني شخص يعمل تحت غطاء محاولًا تقديم مهمة مهمة مع تجنب الوقوع في فخ. في النهاية، حقق العمل نجاحًا كبيرًا، حيث طرح العديد من الأسئلة التي كانت مألوفة لزوار المتحف اليوم، وهي أهمية معرفة من أين يأتي المرء، وكيف يشكّل ما يسمى بالتاريخ الكبير حياتنا لأجيال.
المشروع الثاني الذي يتبع هذا المسعى في تحويل الحنين إلى شيء ملموس علاجي وبنّاء، هو “حلم إينا”، ويتكون من تركيب مكاني مصنوع من المنسوجات والأشياء المعنقدة التي تشكل نموذجًا مصغرًا لأول طائرة برمائية سوفيتية SH-2، والتي صممها وبناها عمي الأكبر فاديم شافروف في شقته في سانت بطرسبرغ في الثلاثينيات.

واصلت في هذا المشروع تطوير موضوعات تاريخ العائلة، والمحفوظات الشخصية، ومقارنات الحقائق والخيال ضمن تاريخ العائلة. عملت مع الرسومات الأصلية للطائرة البرمائية، وقمت بتقليص حجمها إلى نصف الحجم الأصلي، وصنعت نوعًا من “السجادة الطائرة”، وهي نسخة نموذجية ناعمة من الطائرة تم وضعها على الأرض، والتي تدعو المشاهد لتخيل كيف يمكن تجميعها، أو في الواقع تفسيرها على أنها مشهد لحادث اصطدام.

عند التشكيك في رموز القوة العسكرية والسلطة الذكورية والغرض من الاختراع بمعنى أوسع، يعمّق “حلم إينا” أيضًا في عالم الحنين التأملي، من خلال الإشارة إلى قصة الطائرة البرمائية التي سمعتها مرات عديدة من والدتي وجدتي، الذين شهدوا هم أنفسهم ولادة الطائرة داخل شقة مشتركة عادية، وتحولها من فكرة خيالية إلى آلة طيران عسكرية فعالة.
Inna's Dream installation Varvana Shavrova Contem
Varvara Keidan Shavrova, 'Inna's Dream', Patrick Heide Contemporary Art
وكما يوضح هذان المشروعان، أتميز في عملية صناعة الفن بالمشاركة في تاريخ عائلتي، حيث أشارك بنشاط في إعادة الفحص وإعادة التقييم المستمرة للماضي. يمتليء عملي بحنين تأملي يسمح بقبول ماضيي وماضي الأجيال السابقة من عائلتي. من خلال الانخراط النشط في ماضي عائلتي من خلال صنع وإعادة صنع أشياء مختلفة، أجد علاقة مجزية وصعبة عاطفيًا.

فارفارا كيدان شافروفا هي باحثة وممارسة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الكلية الملكية للفنون، لندن 2021. عملت شافروفا قيما فنيا على معرض “حدّه البحر” في جاليري يورك للفن 2018 وفي جامعة فرجينيا كومنولث كلية فنون التصميم في قطر في 2019.
varvara_keidan_shavrova@ varvarashavrova.com فارفارا كيدان شافروفا فنانة بصرية وقيّمة على المعارض ومعلمة وباحثة. ولدت في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، وتعيش وتعمل بين لندن ودبلن وبرلين. درست في جامعة موسكو الحكومية لفنون الطباعة، وحصلت على شهادة الماجستير في الفنون الجميلة من جولدزسميث، جامعة لندن، وحصلت على منحة مجلس أبحاث الآداب والعلوم الإنسانية من قبل شراكة لندن للفنون والعلوم الإنسانية، لإجراء الدكتوراه القائمة على الممارسة في الكلية الملكية في الفن في لندن.

عرضت أعمالها على المستوى الدولي، بما في ذلك في بينالي البندقية للعمارة، ومعرض التصوير بايرلندا، ومتحف موسكو للفن الحديث، و اسباسيو كالتشرال التنكى، تينيريفي. عملت شافروفا قيما فنيا على عدد من مشاريع الفنون البصرية الدولية، بما في ذلك “حدّه البحر” في جاليري يورك للفن 2018 وفي جامعة فرجينيا كومنولث كلية فنون التصميم في قطر في 2019، وألعاب خرائط بكين: ديناميكيات التغيير، معرض دولي للفن والعمارة في بكين (الصين) وبرمنغهام (المملكة المتحدة) وتيرني (إيطاليا). حصلت على جائزة مشروع المجلس الوطني لفنون اليانصيب في إنجلترا للأعوام (2019-2020 و 2020-2021)، وجائزة منحة الفنون البصرية من مجلس الفنون في أيرلندا 2021، وجائزة Prince’s Trust Individual Artist’s Award ، وغيرها. تدرج أعمالها في عدد من المجموعات العامة والخاصة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في وزارة الشؤون الخارجية والتجارة في أيرلندا، في مكتب الأشغال العامة المجموعة الفنية في دبلن، في مجموعة مؤسسة Ballinglen للفن في مقاطعة مايو، وفي متحف تاريخ سانت بطرسبرغ في روسيا.

ويمثلها باتريك هايد للفن المعاصر،Patrick Heide Contemporary Art لندن.
عدد رقم
2

تذكّر الوطن

نوفمبر ٢٠٢١–فبراير ٢٠٢٢
error: Content is protected !!

Learn about our open and past events

Explore new perspectives on art and design from
our community and our international contributors

تعرف على معارضنا وفعالياتنا الحالية والسابقة