تواصل معنا
المعارض والفعاليات

المرآة

بقلم سيمون نجامي
(ترجمه من الفرنسية دافيد أيمس كورتيس)

Mohamed Bourouissa Photography Art Paris Suburbs Street Exhibition at The Gallery at VCUarts Qatar

منذ بضع سنوات شهد العالم بذهول ودهشة يشوبها شيء من اللذة الساخرة اشتعال النيران في الضواحي الفقيرة النائية للمدن الكبرى في فرنسا. وينبع هذا الإحساس بالدهشة الذي تملك كل الذين شاهدوا ذلك الغضب العنيف، من أنّ فرنسا وإلى حد الآن يُنظر إليها بوصفها بلد حقوق الإنسان والتنوّع الثقافي.

وبصراحة، لم نكن الوحيدين الذين حرّك مشاعرهم هذا النوع من الثورات والتي ما زالت راسخة في ذاكرة الناس. لقد كنّا شهودًا على حدث بالمعنى الأصلي للكلمة، حدث لم يكن متوقّعًا.

أفاقت فرنسا لتجد نفسها مجبرة على مواجهة أشباحها والنظر بتمعّن في إخفاقات ماضيها الاستعماري وعجزها عن إدماج كل مواطنيها في الجمهورية الفرنسية، أي أولئك الذين لا يُعتبرون ”فرنسيين مثل الآخرين.“ وفجأة ها هو جيل مُهمل سئم أن يعامل كأنه غير موجود وأن يوصم اجتماعيا، ينتصب واقفًا وصارخًا ليعبّر عن يأسه وغضبه. إنّهم فرنسيون، فرنسيون مثل الباقي. ورغم حظرهم داخل أحياء بلا أفق في مشاريع سكنية ذات بنايات شاهقة بعيدًا عن مراكز المدن، فإنّهم مواطنون من الجمهورية الفرنسية.

وحتى بلدانهم الأصلية التي قدم آباؤهم أو أجدادهم منها فهي ليست في كثير من الأحيان سوى حلم قديم بقي داخل العائلة ونزوة خيال يعلمون أنهم مقصيون منها. ولذلك فهم يضرمون النار ليثبتوا وجودهم.

يهشمون الأشياء ليقولوا إنهم أحياء يتنفسون. تغريهم كاميرات التلفزيون التي لا توجه عادة عدساتها إلا باتجاه حدث معين أو مشهد تحوّل إلى خبر في نشراتها. يعي محمد بورويسة كل
ذلك جيدًا.

لكن محمد بورويسة لم يكن كذلك. كان واعيًا بالفخ المنصوب تحت قدميه، واختار أن يتحول إلى راوي وأن يلج إلى عالم الإبداع الفني ليقص علينا التفاصيل المتفككة للمجتمع الذي يعيش فيه.

لا تحمل نظرته الغضب بل مجرد حسّ ثاقب ساخر، نظرة تسلية متحررة وإقرار واضح بالوقائع يقدمه لنا على نحو لعوب. وقبل أن يتحول إلى الفيديو، اختار التصوير الفوتوغرافي كوسيلة أولي، وكان السبب وراء اختياره يعود إلى الطبيعة التوثيقية للصور المطبوعة.

 

 

وحتى بلدانهم الأصلية التي قدم آباؤهم أو أجدادهم منها فهي ليست في كثير من الأحيان سوى حلم قديم بقي داخل العائلة ونزوة خيال يعلمون أنهم مقصيون منها. ولذلك فهم يضرمون النار ليثبتوا وجودهم.

Mohamed Bourouissa Photography Art Paris Suburbs Street Exhibition at The Gallery at VCUarts Qatar
Mohamed Bourouissa, 'La république', C-print, 2006, Périphérique series of color photographs, variable sizes, ©Mohamed Bourouissa ADAGP
Mohamed Bourouissa Photography Art Paris Suburbs Street Exhibition at The Gallery at VCUarts Qatar
Mohamed Bourouissa, 'Carré Rouge', C-print, 2005, Périphérique series of color photographs, variable sizes, ©Mohamed Bourouissa ADAGP
Mohamed Bourouissa Photography Art Paris Suburbs Street Exhibition at The Gallery at VCUarts Qatar
Mohamed Bourouissa, 'La fenêtre', C-print, 2005, Périphérique series of color photographs, variable sizes, ©Mohamed Bourouissa ADAGP

وسواء أعجبنا ذلك أم لا، فالصور الفوتوغرافية تدفعنا إلى التصديق بأن ما تكشفه لنا يحتوي على جزء من الحقيقة. قرر بورويسة اللعب على وتر هذا الجزء من الحقيقة وتفكيك الأشياء، واتباع ما يمليه عليه قلبه، وإظهار ما تعكسه هذه الزخارف والحفلات في صوره. قام بورويسه بوضع الكليشيهات والأفكار المسبقة في دائرة الضوء وكأنما يتبناها، فهو يقوم وبذكاء، بترتيب وعرض المواقف والتحيزات الأكثر تكرارا وانتشارا  في المجتمع الفرنسي، والسخرية منها. وبروح الكوميديا السوداء، تشكل لوحاته لوحة كلاسيكية، تبرز كل التناقضات المتأصلة في ذلك المجتمع. يتم اختيار النماذج بعناية. تعكس ملابسهم أدوارهم، ويتم تصميم مواقفهم بدقة من قبل مخرج يولي أهمية فائقة للتفاصيل.

وهكذا ينجح بورويسة في خلق الوهم الذي يسعى إليه. هؤلاء الشباب الذي يلعبون أدوارهم الحقيقية في الحياة، دخلوا بالضرورة، ما يطلق عليه جان بول سارتر عملية الانقسام.

وهم، يصبحون شيئا آخر، من خلال إدراكهم للصورة التي يقدمونها في المجتمع، تجريدات وكائنات مفكرة تقدم تعليقا وجوديا وسياسيا حول نظرة أولئك الذين يريدون حبسهم داخل صورة قد وافقوا على التقاطها.

إنها لعبة جنونية، لعبة مرايا: حيث أولئك الذين اعتقدوا أنهم كانوا ينظرون هم في الواقع الذين تحت أعين الآخرين. تتيح المرآة هذا الانقسام الضروري.

يوجد هنا تعبيرعن استحالة ان يكون المرء “واحدا”، وأن انعكاس أنفسنا في الواقع يأتينا مشوّها لأنه لا يعدو كونه انعكاسا. ما من شك أنّ هذا انعكاس شخص، بل أكثر من ذلك هو انعكاس للعالم المحيط بذلك الشخص والذي يحدد الفاعل ويملي عليه إنسانيته. فأعمال بورويسة سياسية وبشكل بارز، رغم أنه لا يصرح بذلك 

وإذ يكتفي بكونه مراقبا محايدا ويقتنع بأنه لا حاجة لإضافة أي شيء للحقائق الواضحة التي يكشف عنها، فإنه يصبح متمردًا.

لأنه ، من خلال كونه قانعًا بكونه مراقبًا محايدًا وفي اقتناعه بأنه لا توجد حاجة لإضافة أي شيء إلى الحقائق الواضحة التي يكشف عنها ، فإنه يصبح مخربًا.

ينطلق في أداء أغنية منسية أحيانا، تلك التي أطلق عليها إرنست بلوخ ”السؤال الأساسي“: السؤال الذاتي المتمثل في ”نحن“. ذلك أنه في كل ”نحن“ يوجد قبل كل شيء ”أنا“. وكيف عسانا ننجح في بناء طريقة للعيش معا تقبل الاختلاف باعتباره عنصرًا من عناصر الثروة، باعتباره الضمان الوحيد على استعدادنا للإنسانية ؟ إنها الأسئلة الملحة التي تطرحها صور بورويسة والتي يبدو عنفها مكتوما.

ويجدر بالجمهورية الفرنسية، هذا الرمز الذي يمثله الأزرق والأبيض والأحمر، أن تنتبه إذا ثبت أنها غير قادرة على حب أطفالها وحمايتهم. كل أطفالها.

_____

ظهر هذا المقال في كتالوج المعرض الفردي لمحمد بورويسة Le Miroir (المرآة) في متحف SCAD للفنون. وينشر المقال هنا بإذن وموافقة المؤلف.
العودة إلى صفحة المعرض هنا

في هذه السلسلة الرائعة من الصور، اختار محمد بورويسة ملاءمة رموز الرسم التاريخي. قام الفنان بتأليف صوره من خلال عرض مشاهد مع أصدقائه ومعارفه في ضواحي باريس حيث اعتادوا قضاء الوقت. تشير المواجهات والتجمعات والحوادث والنظرات والايحاءات المجمدة إلى توتر دراماتيكي ملموس. تأثرت قراءات هذه الصور منذ البداية بأحداث الشغب التي اندلعت عام 2005 في الضواحي الفرنسية. من خلال الاستشهاد بالفنانين ديلاكروا وجيف وول، يبدو أن الفنان يعطي مكانًا في التاريخ الفرنسي لمن يهملهم هذا البلد عادةً.
Mohamed Bourouissa Photography Art Paris Suburbs Street Exhibition at The Gallery at VCUarts Qatar
Mohamed Bourouissa, 'Le hall', C-print, 2007-2008, Périphérique series of color photographs, variable sizes, ©Mohamed Bourouissa ADAGP

نظم سيمون نجامي العديد من المعارض في الفن الأفريقي المعاصر، من بينها “Africa Remix” (أعمال لثمانين فنانًا أفريقيًا معاصرًا معروضة في خمسة أماكن في جميع أنحاء العالم) خلال الفترة من 2004 إلى 2007، وأشرف على الجناح الأفريقي لبينالي البندقية في 2007 و معرض الفنون FNB Joburg 2008 في جوهانسبرغ، جنوب إفريقيا.

كان سيمون نجامي أحد مؤسسي مجلة Revue Noire ورئيس تحريرها، والمدير الفني لـبينالي باماكو للتصوير الفوتوغرافي لمدة عشر سنوات، و نشر العديد من الكتابات عن الفن الأفريقي.

@mohamedbourouissa
mohamedbourouissa.com

يصف محمد بورويسة المجتمع المعاصر وبصورة ضمنية من خلال ملامحه العامة وهوامشه. يتخذ موقفًا نقديًّا من الصورة التي تقدمها وسائل الإعلام ، فهو يختار لصوره الفوتوغرافية وفيديوهاته أولئك الأشخاص المتروكين عند مفترق طرق الاندماج والتهميش.
تسبق كل مشروع من مشاريع محمد بورويسة مرحلة انغماس مطولة، ليؤسس وضعية بطرح جديد. وعلى عكس التركيبات الإعلامية الساذجة والزائفة، يُدخل الفنان مجددا مفهوم التعقيد في تمثيل هوامش ما هو بارز للعيان.

عرضت أعماله في العديد من المعارض الفردية منها: متحف الفن الحديث في باريس، ومركز بومبيدو دي باريس، ومؤسسة بارنس في فيلادلفيا، ومتحف ستيديليك في أمستردام، وفي البايز في فرنكفورت أم ماين، وذا بول في باريس، ودار الفن في ميونيخ، وفراك فرانش كونته في مدينة بيزانسون. كما شارك في بينالي الشارقة وهافانا وليون والبندقية والجزائر وليفربول وبرلين وترينالي ميلانو.

في عام 2018، تم ترشيحه لجائزة مارسيل دوشان. وتم اختياره عام 2017 للمشاركة في جائزة بيكتيكت للصورة الفوتوغرافية. تنتمي أعماله إلى مجموعات رائدة، بما في ذلك متحف الفنون في لوس أنجليس، ومركز بومبيدو، و الدار الأوروبية للتصوير الفوتغرافي في باريس، ومتحف ستيديليك في أمستردام.

عدد رقم
1

روح المجتمع

سبتمبر–نوفمبر ٢٠٢١
error: Content is protected !!

Learn about our open and past events

Explore new perspectives on art and design from
our community and our international contributors

تعرف على معارضنا وفعالياتنا الحالية والسابقة